أين بدأت الثورة الصناعية في أوروبا

منطلق الثورة الصناعية في أوروبا، التي تعتبر حجر الزاوية للنهضة الحديثة في العالم، والتي أنقذت أوروبا من العصور المظلمة التي عاشتها، فأين بدأت الثورة الصناعية في أوروبا؟ وما هي المراحل التي مرت بها والنتائج التي ترتبت عليها؟

الثورة الصناعية

تم إطلاق الثورة الصناعية على الانتشار والتوسع في العمل باستخدام الآلات والمحركات والماكينات بدلا من العمل اليدوي، التي ساعدت على توسع الصناعة بشكل أسرع وبدقة عالية الجودة.
ظهرت مؤشرات الثورة الصناعية في نهاية القرن الثامن عشر بعد اختراع المحرك البخاري الذي يعتبر بذرة بداية الثورة الصناعية.
حدثت الثورة الصناعية في أوروبا بسبب التقدم العلمي الكبير في ذلك الوقت، مما ساعد في تطوير اختراعات تخدم قطاع الصناعة وزيادة الإنتاج وتقليل التكلفة وزيادة الأرباح.
يذكر المؤرخون أن الثورة الصناعية استمرت لمدة حوالي 100 عام، وقد تم تقسيمها إلى الثورة الصناعية الأولى والثورة الصناعية الثانية.
الثورة الصناعية الأولى هي الفترة التي شهدت بداية الثورة الصناعية من أواخر القرن الثامن عشر حتى منتصف القرن التاسع عشر، وفي هذه المرحلة، حاولت بريطانيا أن تحتكر الثورة الصناعية لنفسها من خلال منع تصدير الآلات والعمال وأفكار الاختراعات.
على الرغم من الحظر الذي فرضته بريطانيا، انتشرت فكرة الثورة الصناعية وأدت إلى الثورة الصناعية الثانية التي استمرت من منتصف القرن التاسع عشر حتى بداية القرن العشرين، وشهدت تحولا في خطوط الإنتاج بالكامل تعمل بواسطة الآلات.
ما يميز الثورة الصناعية الثانية هو تحول استخدام البخار لتشغيل الآلات إلى استخدام الطاقة الكهربائية.
بعض المؤرخين يقولون أن هناك الثورة الصناعية الثالثة التي بدأت منذ منتصف القرن العشرين مع وجود الكمبيوتر واستخدام الإنترنت.
وهناك أيضا الثورة الصناعية الرابعة التي نعيشها حاليا والتي تعتمد على الروبوتات لتحل محل الإنسان في تشغيل الآلات وعدم الحاجة إلى العنصر البشري بشكل نهائي.

أين بدأت الثورة الصناعية في أوروبا؟

يعتبر القرن الثامن عشر هو نقطة انطلاق الثورة الصناعية، وذلك نتيجة النهضة العلمية التي شهدتها أوروبا واستمرت حتى القرن التاسع عشر الذي شهد الثورة الصناعية الحقيقية وأظهرت ثمارها.
إنجلترا هي البلد الذي بدأت فيه الثورة الصناعية في أوروبا، ويعود السبب في ذلك إلى امتلاكها موارد كبيرة من الفحم الحجري وخام الحديد التي استندت عليها الثورة الصناعية.
بالإضافة إلى امتلاك إنجلترا العديد من المستعمرات في مختلف أنحاء العالم، وقد قدمت لها هذه المستعمرات موارد طبيعية متنوعة ساهمت في ازدهار نتائج الثورة الصناعية.
على الرغم من محاولة إنجلترا لاحتكار أفكار الثورة الصناعية، إلا أنها انتشرت في دول أوروبا الغربية، وخاصة في فرنسا وألمانيا، وكذلك انتشرت الثورة الصناعية في الولايات المتحدة الأمريكية.
انتشار أفكار الثورة الصناعية في مختلف الدول كان له تأثير كبير على زيادة نتائج الثورة الصناعية وازدهار الاقتصاد الخاص بتلك الدول.

مراحل الثورة الصناعية

اعتبر اختراع الآلة البخارية أو المحرك البخاري بذرة لثورة صناعية في أوروبا وظهور نهضة علمية في مجال الصناعة، مما أدى إلى تحسن الاقتصاد وازدهاره.
تعتمد فكرة المحرك البخاري على تحويل الطاقة الحرارية المتولدة من بخار الماء إلى طاقة ميكانيكية حركية، وتم اختراع هذا النوع من المحرك على يد المهندس الاسكتلندي جيمس واط في ستينيات القرن الثامن عشر، واستخدمت هذه الفكرة بشكل رئيسي في القطارات.
توسعت فكرة المحرك البخاري وتم تطبيقها في السفن والمصانع والمطاحن، مما أحدث ثورة في مجال الصناعة، وأطلق عليها لاحقا اسم الثورة الصناعية.
استفادت بريطانيا من هذا الاختراع بشكل أفضل، خاصة أنها كانت تعيش في فترة ثورة زراعية، بالإضافة إلى وفرة الموارد الطبيعية مثل الفحم والحديد في الأراضي البريطانية. وبفضل ذلك، ازدهرت بريطانيا في القطاعين الزراعي والصناعي، وخاصة في صناعة الغزل والنسيج والصلب.
تطورت فكرة المحرك البخاري وتم اختراع التوربين البخاري، الذي ما زال يستخدم حتى الآن في حوالي 85% من إجمالي الطاقة الكهربائية المنتجة في العالم، وكلما تقدمت العلوم الصناعية، زادت شهرة الثورة الصناعية.
وفقا لأغلب المؤرخين، استمرت الثورة الصناعية في الفترة من 1770 إلى 1830، حيث شهدت ازدهار العديد من الصناعات مثل صناعة الصلب والنسيج واستخراج الفحم الضروري لتشغيل المحركات البخارية، وتم إنشاء الجسور وتحديث وسائل النقل، وخاصة طرق القطارات.
أدت الثورة الصناعية أيضا إلى ازدهار التجارة العالمية، حيث زاد الطلب على المنتجات البريطانية التي تم إنتاجها في المصانع الحديثة، مما أدى إلى انتشار فكرة الثورة الصناعية في دول أخرى مثل ألمانيا وفرنسا وأمريكا.

أسباب الثورة الصناعية

ترجع ثورة الصناعة إلى عدة عوامل أدت إلى حدوثها، ومن أسبابها ما يلي

ظهور أفكار علمية واختراعات تسهم في عمليات التصنيع وزيادة الإنتاج، خاصة اختراع المحرك البخاري.
التوجه نحو تنمية الثورة الزراعية عن طريق أفكار الثورة الصناعية باستخدام الآلات في عملية الزراعة والحصاد.
يجب زيادة إنتاجية العمل مع تقليل الوقت والجهد المستخدمين.
تجنب حمل الأعباء اليدوية واستخدام الآلات بدلا منها.
الرغبة في تقليل تكاليف التشغيل دون التأثير على زيادة الإنتاج.
وضع خطط صناعية للمصانع والمؤسسات لتصنيع منتجات متنوعة مع التخطيط لتوفير التكاليف وتحقيق استدامة مالية.
توسع مجال التجارة العالمية والذي أدى إلى الحاجة إلى زيادة الكميات المنتجة.

مظاهر الثورة الصناعية

أدت الثورة الصناعية إلى ظهور بعض النتائج في تطبيق فكرة الثورة الصناعية، ومن هذه النتائج ازدهار الصناعات النسيجية بزيادة الإنتاج وتقليل التكلفة وانخفاض الأسعار مع زيادة الدقة في التنفيذ.
تم إنشاء مصانع النسيج بالقرب من مصادر المياه لتشغيل محركات المصانع باستخدام قوة بخار الماء، وهذا هو التطور الأحدث في هذا المجال.
اختراع الآلة البخارية أو المحرك البخاري من قبل جيمس واط كان واحدا من أبرز تطورات الثورة الصناعية وأهمها بلا شك، وتم تطبيقها بسرعة في مختلف الصناعات، وكان استخدام الآلة البخارية الأبرز هو تحريك القطارات والسفن.
في ذلك الزمان، كانت أوروبا وأمريكا تشهدان ازدهارا علميا في مختلف المجالات، وكانت الثورة الصناعية فرصة مثمرة لعرض الاختراعات العلمية. في عام 1860، تم ابتكار المحرك الذي يعمل بواسطة البنزين والذي يستخدم حتى الآن.
بعد اختراع المولد الكهربائي في العام ١٨٣١ من قبل العالم البريطاني فاراداي واختراع المصباح الكهربائي في العام ١٨٧٩ من قبل العالم الأمريكي توماس أديسون، يعد هذان الاختراعان جزءا من ثورة الصناعة التي ساهمت في تطورها وانتشارها.
في ظل انتشار الثورة الصناعية، نشأت العديد من الصناعات مثل صناعة الحديد والصلب، وكذلك تم التركيز بشكل كبير على عمليات التعدين، خاصة استخراج الفحم الحجري الضروري لتشغيل المحركات، وتطورت أيضا آلات استخراج المعادن نفسها.

نتائج الثورة الصناعية

كانت نتائج الثورة الصناعية واضحة وملموسة، وانتشارها كان السبب وراء تسميتها بـ `الثورة` بسبب التغيير الجذري الذي سببته. يمكن تلخيص نتائج الثورة الصناعية بشكل موجز كالتالي

النتائج الاقتصادية هي الأكثر بروزا في نتائج الثورة الصناعية، حيث زاد إنتاج المصانع وتطورت الصناعات مثل صناعة الحديد وصناعة الغزل والنسيج، وتطورت الآلات المستخدمة في هذه الصناعات.
نتيجة للثورة الصناعية، ظهرت صناعات جديدة مثل صناعة الأغذية المعلبة والحفظ، مما أدى إلى ظهور قطاع اقتصادي جديد في مجال الأغذية.
نتيجة تنوع المنتجات وتميز الدول بمنتجاتها عن غيرها، حدث انتعاش في حركة التجارة العالمية، مما أدى إلى ظهور أسواق جديدة وتوفر منتجات متنوعة وزيادة في استهلاكها.
من نتائج الثورة الصناعية الاجتماعية ظهور طبقات مجتمعية جديدة بدلا من الإقطاعيين والفلاحين، حيث ظهرت طبقة أصحاب المصانع وازدادت طبقة العمال، مما أدى إلى وجود فارق كبير بين هاتين الطبقتين.
أدت الثورة الصناعية أيضا إلى زيادة هجرة سكان الريف إلى المدن للعمل في المصانع حيث المال الوفير والحياة الأفضل.

الآثار المترتبة على الثورة الصناعية

من تأثيرات الثورة الصناعية في مجال التكنولوجيا هو السعي لاستكشاف مصادر جديدة للطاقة واستخدامها مثل النفط والفحم والكهرباء، وزادت الاختراعات العلمية الحديثة في مجال الصناعة.
تم تطوير الآلات المستخدمة في صناعة الحديد والصلب والغزل والنسيج، مما أدى إلى زيادة في حجم الإنتاج وتقليل العمالة والتكاليف، وحدث تطور هائل في مجالات علمية أخرى.
وفي المجال الاقتصادي، كان له تأثير كبير حيث زادت الثروة وظهرت وفرة في الأموال وزادت حركة التجارة العالمية وتم إنشاء أسواق جديدة وزاد حجم التجارة وحدث تحول في الدول من الزراعة إلى الصناعة.
تزايدت ثروات الدول الصناعية بشكل كبير وتم تخصيص مدن بأكملها لخدمة المصانع والعمال.
في الناحية السياسية والاجتماعية، ظهرت فئة العمال الكادحين التي تقابلها فئة من أصحاب رؤوس الأموال وأصحاب المصانع، وكان هناك تفاوت كبير وواضح بين الفئتين، مما أدى إلى ظهور الأحزاب والنقابات العمالية لمواجهة طمع أصحاب المصانع والدفاع عن حقوق العمال.
بعض المؤرخين يشيرون أيضا إلى انخفاض ملحوظ في معدل الوفيات نتيجة توافر العلاج والأدوية.
أما في المجال الثقافي، فقد توسعت رقعة معرفة وثقافة الأفراد من تعلم الحرف والزراعة فقط إلى فهم كيفية تشغيل الآلات وفهم طريقة عملها، وانتشر التعليم بشكل كبير.

انطلقت الثورة الصناعية في أوروبا من إنجلترا وانتقلت بعدها إلى باقي دول العالم، على الرغم من محاولاتها استيلاء الاختراعات التي أدت إلى حدوث الثورة الصناعية. وما نشهده العالم الآن من تقدم تكنولوجي هو أحد النتائج التي أحدثتها الثورة الصناعية.