مقال حول الهجرة إلى أرض الحبشة

أذن النبي محمد عليه الصلاة والسلام للصحابة بمغادرة مكة المكرمة والذهاب إلى الحبشة في شهر رجب من العام الخامس بعد البعثة. في هذا السياق، سنتعرف على هجرة النبي إلى الحبشة ومراحلها وموقف قريش منها، وسنتحدث أيضا عن عودتهم من الحبشة.

الهجرة إلى الحبشة

قبل أن نتناول المهاجرة إلى الحبشة، يجب أن نتعرف على مفهوم المهاجرة، وفي الجمل التالية سنتعرف على المهاجرة في سبيل الله وفضائلها، وأنواعها:

في اللغة العربية، يعرف الهجرة بترك مكان والانتقال إلى مكان آخر. أما الهجرة في سبيل الله، فتعريفها وفقا للشرع هو ترك البلد الذي لا يتبع الدين الإسلامي والانتقال إلى بلاد المسلمين. وأمرنا الله سبحانه وتعالى بترك البلد الذي لا يمكن فيه نشر الإسلام والانتقال إلى أي مكان آخر في أراضي الله الواسعة. فقد قال الله تعالى في سورة العنكبوت: “يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون”. صدق الله العظيم.

عند اتباع أوامر الله في الهجرة، تأتيك بعض الفضائل الروحانية التالية:

شاهد أيضًا: بحث كامل عن السيرة النبوية

الإيمان

الدليل على إيمان المسلم وصدقه.

تعويض المهاجرين

يعوض الله المهاجرين إلى البلاد الغريبة بالسعة في الرزق والثواب والأجر العظيم.

اكتساب رحمة الله ومغفرته

يكسب المؤمن الذي يتبع أوامر الله ويهاجر إلى بلاد الإسلام رحمة الله ومغفرته، مما يقربه من دخول الجنة.

انواع الهجرة

قسم العلماء الهجرة إلى نوعان، وهما:

الهجرة المعنوية

وهي تتضمن ترك كل ما يحظره الله عز وجل من الكفر والمعاصي، وهي الهجرة الواجبة على المسلمين والمسلمات.

الهجرة الحسّية

تختلف حكم الهجرة الحسية وفقا لاختلاف الأحوال، فبعضها يكون إلزاميا على جميع المسلمين، وبعضها يكون إلزاميا فقط على أصحاب الهجرة الذين غير قادرين على تنفيذها، وبعضها يكون هجرة مستحبة، وبعضها يكون هجرة تركها أولها.

الهجرة إلى الحبشة ومراحلها

الهجرة للحبشة للمرة الأولى

في شهر رجب من العام الخامس لبعثة رسول الله عليه الصلاة والسلام، أمر النبي محمد صلى الله عليه وسلم أصحابه بمغادرة مكة المكرمة والتوجه إلى الحبشة، وكان عددهم آنذاك 12 رجلا و4 سيدات. وهناك من يقول أن عددهم كان 11 رجلا و2 سيدة فقط. ومن بين هؤلاء الرجال: عثمان بن عفان وزوجته بنت النبي محمد، والصحابي ابن عتبة وزوجته سهلة، والصحابي مصعب بن عمير، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو سلمة وزوجته، والصحابي عثمان بن مظعون، والصحابي عامر بن ربيعة وزوجته ليلى، والصحابي أبو سبرة، وسهيل بن بيضاء، والصحابي جعفر بن أبي طالب.

بدأ المسلمون في الانتقال إلى الحبشة للانضمام إلى الذين هاجروا من الصحابة، وكان بعضهم يهاجر بمفرده والبعض الآخر يأخذ أسرته بأكملها، حتى بلغ عددهم 83 رجلا بدون أطفالهم الذين هاجروا أو الذين ولدوا في الحبشة.

كان النبي محمد عليه الصلاة والسلام يولي اهتماما كبيرا بالتأكد من أحوال جميع أصحابه، وعندما خرج عثمان بن عفان ومعه ابن النبي محمد عليه السلام، علم الرسول بذلك عن طريق امرأة قرشية. وعندما سأل الرسول عن حالهما، أخبرته أن ابنته كانت تركب الحمار وكان عثمان يقوده. فدعا النبي صلى الله عليه وسلم أن يحفظهما الله، وقال إن عثمان بن عفان هو أحد الهاجرين ومن رافقه من أهل بيته بعد سيدنا لوط عليه السلام.

الهجرة للحبشة للمرة الثانية

عندما هاجر الصحابة إلى الحبشة في شهر رجب، أقاموا هناك طوال ذلك الشهر وحتى الشهر التالي، وهو شهر شعبان. عندما حل الشهر الكريم، شهر رمضان، قرروا العودة إلى مكة المكرمة. في يوم معين، حضر النبي محمد عليه الصلاة والسلام إلى الحرم بحضور القريش الكبار وسادتها. قام بتلاوة سورة النجم، وعندما وصل إلى السجدة، سجد، وتبعه جميع الحاضرين، سواء كانوا مسلمين أو مشركين، باستثناء شخصين فقط، وهما “امية بن خلف والمطلب بن أبي وداعة”. عبد الله بن مسعود روى عن النبي صلى الله عليه وسلم قائلا: “قرأت سورة النجم وسجدت فيها، وسجد من معي، إلا أن شيخا أخذ كفا من التراب ووضعه على جبهته، وقال: يكفيني هذا”. فقال عبد الله: “لقد رأيته بعد قتله كافرا.

وأعلن حمزة بن عبد المطلب اسلامه، وبعد 3 أيام أعلن عمر بن الخطاب إسلامه أيضا، وكان ذلك كفتح للباب الإسلامي أمام اعتناق الكثيرين للإسلام، ولتخفيف معاناة المسلمين من قرشيي مكة، وتجلى على المسلمين الرخاء الذي لم يشهدوه منذ سنوات عديدة، وعندما علم الصحابة المقيمون في الحبشة بأخبارهم، فرحوا كثيرا بالرخاء الذي يعيشون فيه، وبدأوا يشعرون بالحنين للعودة إلى بلدهم وبلد آبائهم وأجدادهم بشكل عام، وللكعبة والمسجد الحرام بشكل خاص.

في ذلك الوقت، كان بإمكانهم العودة إلى بلدهم، ومع تزامن ذلك مع الأحداث المستمرة، اتفقوا على العودة، وخرجوا للعودة إلى مكة المكرمة. وعند وصولهم، أدركوا أن الأخبار التي وصلتهم لم تكن صحيحة، فقرروا العودة مع بعض الأشخاص الآخرين إلى الحبشة. وكانت هذه هي المرة الثانية التي هاجروا فيها إلى الأراضي الحبشية.

وكانت أم حبيبة بنت أبي سفيان من المهاجرين إلى الحبشة في هجرتهم الثانية. خرجت هي وزوجها عبد الله بن جحش للهجرة، ولكنها تركت الإسلام ورجعت عنه، واعتنقت النصرانية، وتوفيت وهي على هذا الدين. فأرسل النبي محمد صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية إلى النجاشي ليطلبها للزواج منه. وكانت قد حلمت في منامها أن شخصا سماها `أم المؤمنين`، وسرعان ما تحقق الحلم، حيث دخلت جاريتها لتبشرها بأن النبي محمد يرغب في الزواج منها. فوكلت خالد بن سعيد ليكون وكيلها في عقد الزواج بالنجاشي، وتمت عملية الزواج بين خالد والنجاشي، وأهدت أم حبيبة للجارية خواتم فضية وخلخالين كمكافأة على البشرى التي أخبرتها بها.

شاهد أيضًا: موضوع تعبير عن الهجرة النبوية الشريفة بالعناصر

موقف قريش من هجرة المسلمين للحبشة

عندما شعرت قريش بالطمأنينة واستقرار المسلمين في هجرتهم إلى الحبشة، اجتمعوا وتشاوروا ثم اتفقوا على إرسال عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص إلى النجاشي ليحثوه على طردهم وإعادتهم إلى مكة، وأرسلوا معهم هدايا كثيرة ليغريه والحاشية التي ترافقه، فلم يتركوا أحدا إلا وأعطوه هدايا، وعملوا على تحريض النجاشي وحاشيته ضد المهاجرين من مكة المكرمة.

وعندما وصلوا للنجاشي واعطوه الهدايا قالوا له: قد حضرنا إلى بلدكم فتى ساذج، وتركوا دين قومهم ولم يتبعوا دينكم، وجاءوا بدين غريب لا نعرفه نحن ولا أنت، وأمرت الأشراف في قومهم بإرسالنا إليك لكي تردهم إليهم، فهم أكثر عليهم رؤية وأعلم بما أساؤوا إليهم وانتقدهم فيه.

ثم أيد القوم التابعين للنجاشي الشابين القادمين من قريش في قولهم، ولكن النجاشي أظهر رفضه لما طلبوه، وقال لهم إنه لن يسلمهم إليهم حتى يأتوا ويستمعوا إلى ما قيل بحقهم، فإذا قالوا إن حديثهم صحيح فسوف يسلمهم إليهم، وإلا فلن يفعل ذلك، فعندما جاء بهم ليستجوبهم، تحدث منهم جعفر بن أبي طالب، وتحدث عن ما كانوا عليه في الجاهلية من الفسق والعصيان، وما هم عليه الآن من عبادة الله وتوحيده، بالإضافة إلى الصدق والأمانة وغيرها من الأخلاق الإسلامية الحكيمة.

وأخبروه أيضا بالتعذيب الذي تعرضوا له من قريش لكي يعودوا لعبادة أصنامهم، وأخبروه أيضا بالاختيار الذي قاموا به له عن غيرهم، متطلعين لعدله وحسن معاملته، ثم طلب ملك الحبشة منه أن يقرأ له بعض ما نزل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فقام بقراءة بداية سورة مريم، فانهمرت دموعه وابتلت لحيته، وبكى أيضا قوم النجاشي عند سماعهم ذلك، ثم أخبر الشابين القادمين من قريش أنه لم يسلم أي من أصحابهم أبدا.

وذهب عمرو بن العاص إلى النجاشي في اليوم التالي، وعاهد المسلمين، وقال له إن الصحابة يعبرون عن آراء عظيمة حول عيسى بن مريم، وسأله أن يستفسر منهم عن هذا الموقف. وعندما سألهم النجاشي، أجابه جعفر بأن عيسى بن مريم هو عبد الله ورسوله والروح، ووافقهم ملك الحبشة على ذلك، ثم منحهم الأمن والسلام. ثم رد الهدايا التي أرسلتها قريش للشابين، فعادا خائبين لقومهم.

عودة المسلمين من الحبشة

في السنة السابعة من بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، عاد المسلمون للحبشة للمرة الثانية، وكانت مدة إقامتهم هناك هذه المرة أطول إلى حد ما. بقوا هناك حتى بعد انتهاء الغزوة الإسلامية `خيبر`، وكانت إقامتهم بأمر من الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. ومن بين أهم الأحداث التي وقعت في بلاد النجاشي أثناء وجودهم هناك، تشمل ما يلي:

هجرة النبي إلى المدينة المنورة وتأسيس دولة الإسلام، وعلى الرغم من أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان بحاجة إلى المهاجرين الذين ذهبوا إلى الحبشة وكانت لديهم أعداد كبيرة، إلا أنه لم يطلب منهم العودة. وقد قام بعدة غزوات هامة مثل غزوة بدر وغزوة أحد وغزوة بني قينقاع وغزوة بني النضير، وأبرم صلح الحديبية الذي يعتبر أحد الأحداث المهمة في تاريخ دعوة الإسلام.

أسباب هجرة المسلمين إلى الحبشة

بعدما مضت ما يقارب خمس سنوات على دعوة النبي السرية للإسلام، وبذلت قريش جهودا جبارة لإيقاف انتشار دعوة المسلمين، ومع استمرار قوة وصمود الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، قامت قريش بشن هجوم على المسلمين بكل الوسائل المتاحة، بهدف تعذيبهم وإبعادهم عن الدين الإسلامي العظيم، ومع ذلك، كان ردهم الصبر على المضايقات والعذابات.

كان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم محميا من قبل الصحابة وعمه أبي طالب، فلم يتمكن أحد من الاقتراب منه لإيذائه، على عكس ما تعرض له أصحابه من عذاب وظلم. ولم يكن قادرا على حمايتهم من قسوة الكفار. وعندما كان الرسول يفكر في وسيلة لحماية أصحابه من الأذى والعذاب، أنزل الوحي عليه ليؤيده في فكرة تهجير الصحابة من مكة المكرمة، حتى يحصلوا على فترة راحة ليتمكنوا من العودة ومواصلة رسالتهم الدينية في نشر الإسلام. وذلك عندما قال الله في كتابه بسم الله الرحمن الرحيم: `يا عبادي الذين آمنوا، إن أرضي واسعة، فإياي فاعبدون`.

ثم اقترح النبي محمد عليه الصلاة والسلام على الصحابة بأن يسافروا إلى الأرض الحبشية ” أثيوبيا حاليا” بسبب انتشار العدل تحت حكم النجاشي، وبدأ الصحابة في الهجرة تباعا.

ولم تقتصر هجرة المسلمين من مكة المكرمة إلى الحبشة على الضعفاء والفقراء فقط، بل هاجر إلى الحبشة أيضا أصحاب الثروات والشجاعة والقوة، مثل عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان. وهذا هو الدليل القاطع الذي يؤكد أن هجرة المسلمين كانت بسبب أسباب أخرى كان يسعى إليها النبي محمد، وليس بسبب الخوف أو الضعف أو التعرض للأذى.

شاهد أيضًا: ما هو الاسم الذي اطلق على اهل يثرب بعد الهجرة

من الأسباب التي دفعت الرسول لتهجير أصحابه من مكة المكرمة إلى الحبشة ما يلي:

لوحظ من الرسول أن الصحابة قد بدأ صبرهم ينفد بسبب شدة التعذيب، حتى سألوا النبي عن وقت نصر الله، مما أدى إلى قلق النبي على الإسلام وصحبته.

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب في الحفاظ على الدعوة الإسلامية وعدم ضياعها أو هلاكها بعد زيادة عدد المسلمين.

دور قرابة ورحم الرابطة مهم في التعاطف مع المسلمين من قريش ووقف تعذيبهم، على الرغم من اعتناقهم الإسلام، ورغم ردود أفعالهم العكسية بزيادة تعذيب المسلمين.

في نهاية النقاش وبعد مناقشة الهجرة إلى الحبشة وعدل النجاشي وحكمه والهجرة الأولى والثانية وأسباب الهجرة، يرجى مشاركة هذا الموضوع على وسائل التواصل الاجتماعي فقط.

مقال حول الهجرة إلى أرض الحبشة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *